المقال (2) الجدوى الاقتصادية من انشاء مفاعلات الطاقة للعراق تحديداً

مقدمة توضيحية
لا يخفى على المختصين بشؤون الطاقة والاقتصاد اهمية دراسات الجدوى الاقتصادية لأية مشروع والتي عادة ما يعتمد على جملة من المَعْلمات والمرتكزات الرئيسة لترجيح كفة المشروع من عدمه، كتحديد عود المنفعة وزمن استرداد رأس المال والفائدة السنوي ة والكلفة الكلية وكلف التشغيل والصيانة والاندثار. هذه النقاط في الواقع بعض المفردات الاساسية في تحديد مدى المنفعة وجودة عائدية الاسترداد. ومع ان دراسة الجدوى الاقتصادية مهمة فعلاً في جميع المشاريع الا ان مشاريع انشاء الطاقة الكهرونووية فيه قصة اخرى لاتتعلق بموضوع دراسة الجدوى فحسب، بل اهمية المشروع بالنسبة للدولة في ضمان قوتها وامنها وسيادتها واستقرارها الاقتصادي والسياسي. فالاهمية الاقتصادية لمفاعلات الطاقة قد تكون ليس اولوية للعديد من الدول بل في الدرجة الثانية من الأهمية في كثير من الاحيان.وهذا لايعني ان الطاقة النووية ليست بذي جدوى اقتصادية بل على العكس تماما فهي الخيار الاقتصادي الناجع الان وفي المستقبل بالاضافة الى الاهمية السيادية للبلد التي هي اولوية للعديد من الدول ذات السيادة .والى جانب ماذكرنا قد يتبادر الى ذهن القارئ عدد من الاسئلة فيما يخص العراق. فهل العراق يحتاج الى مفاعلات نووية فعلا ؟. وكيف سنقَيم الحاجة والاهمية ؟ والى اي مدى ستكون هذه الحاجة في المستقبل ؟ ولماذا لانبحث عن بدائل مناسبة كالطاقة الشمسية أو طاقة الريا ح ؟ واين النفط والغاز العراقي من المعادلة ولماذا نذهب للخيارات الصعبة بل اين خطة العراق واستراتيجيته التي وضعها نائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة عام 2010 ؟ والتي من المفترض ان تضع نظرة شمولية للعشرين سنة القادمة التي خلت من المفاعلات النووية ؟. هذه صيغ من عدة تساؤلات لطالما تتكرر في اوساط مختلفة حتى بين المختصين والمهتمين بشؤون الطاقة بل حتى عند عامة الناس . هنا سنتناول اجابتها تباعا.ً ولأهمية الموضوع من ناحية توفير الطاقة والأستراتيجية الوطنية سنقوم اولاً بتناول مفهوم الحاجة قبل موضوع دراسة الجدوى لان الحاجة للطاقة في العراق من الأولويات الوطنية الاستراتيجية كونها تتعلق باستقرارالبلد الذي عادةً مايرتبط باستقلالية الاعتماد على الطاقة المنتجة فيه، وهذا المفهوم افردته في مقال سابق بعنوان امن الطاقة. فأمن الطاقة يعد واحد من احجار الاساس لنهوض اي امة والاكتفاء منه يحقق الاستقرار الامني والاقتصادي والسيادي. ولقد اصبح مفهوم امن الطاقة الان معياراً لمدى استقرار البلد اقتصاديا واستقلاله وسيادته كما هو الحال لمفهوم امن المياه. ومع أن الدول تنظر الى موضوع تأمين احتياجات الطاقة محلي ا بالطرق التقليدية كحاجة اساسية دون التعويل كثيراً على مدى الاستفادة من عوائدها المادية ، بأعتباره خياراً وطنيا ملزما لامناص من تبنيه ، الا ان في مجال الطاقة النووية هو في الواقع مشروع كسب مزدوج اذا لم نقل متعدد اوجه الاستفادة ، وسيتضح عند الولوج في موضوع دراسة الجدوى مدى اهمية ما لم ي عتقد بفائدته من الناحية المادية وسنحاول الاجابة على جميع التساؤلا ت المستعصية والتي لامناص من حلها بالطاقة النووية وليس بطرق الانجاز التقليدية.

ولنبدأ الاّن بالسؤال التالي:-
هل العراق يحتاج للطاقة النووية فعلاً والى اية مدى؟
منذ بداية انتاج الكهرباء في بداية القرن الماضي ولغاية الان ، يؤمن العراق احتياجاته من الطاقة بأستخدامه الوقود الاحفوري بنسبة قرابة 98%، ويشمل هذا الوقود (النفط والغاز حصراً و 2% بالطاقة الهيدرومائية بأستخدام السدود). وحسب الخطة الاستراتيجية التي وضعها العراق عام 2010 فانه ولغاية نهاية 2020 يحتاج العراق بحدود (22Gwatt) من الطاقة الكهربائية لوقت الذروة و ( 18Gwatt ) لاحتياج الاساس 1 حسب الحاجة الفعليه لهذه السنة. فكيف يتم تأمينها الآن وما هي نس ب مشاركتها ؟ يستخدم العراق وقود النفط الثقيل والنفط الخام بنسبة 23% لانتاج الكهرباء, وحوالي 46% من انتاج ه للكهرباء من الغاز ويستورد مانسبته 7% تقريبا من الغاز من ايران ووقود الديزل بحوال ي 1.15% (احصائيات وزارة الكهرباء 2018) ، ومع كل ذلك لم يصل العراق الى تغطية احتياجه لا الاساس ولا الذروة لطوال السنة (بغض النظر عن المشاكل الاخرى كمشكلة النقل وتوفير امدادات الوقود كونه موضوع منفصل). ووصل الى ما نسبة 76% . وقد نجد بعض من يقول المختصين في شؤون الكهرباء ان العراق بامكانه ان يؤمن الان كامل الاحتياج والمشكلة فقط في توفير الوقود . ونسي ان فكرة تجهيز الكهرباء هي مشروع متكامل من تامين امدادات الوقود والنقل والتجهيز لحد الاحتياج لمستوى الاساس ووقت الذروة ايضا.ً وبنظرة فاحصة الى المخطط الاستراتيجي الذي وضعته الحكومة عام 2010 من قبل شركة اجنبية (Bozz&company) (الذي لم يتحقق بالطبع) ، نجد اخطاء اً كبيره في التقدير والحساب والترجيح وكأن هذه الخطة موضوعة لبلد آخر ليس العراق.وقد خلت من حسابات الطاقة النووية كما انها لم تلتفت ايضا الى موضوع انبعاثات الكربون الذي اصبح اليوم الشغل الشاغل لكل دول العالم.وترسم السيناريوهات المعقدة للموازنة بين تامين الأحتياج وخفض الكربون .

والملاحظة ايضا في هذه الاستراتيجية انها لم تحقق حتى موضوع استبدال محطات الدورة المركبة بالدورة المفردة لرفع كفاءة حرق الغاز واستغلال الحرارة لانتاج البخار في المحطات البخارية الذي كان من المفترض ان يتم استبدال 40% من توربينات الدورة المفردة الى توربينات الدورة المزدوجة لأستغلال الوقود بشكل اكبر وبضعف الكفاءة . والاغرب من كل ذلك ان العراق في هذه السنة وحسب المخطط سيحتاج 2700 مقمق من الغاز في حين انتاج العراق الحالي هو (2319 مقمق) يحرق منه (1150 مقمق) كضرورة لانتاج النفط كونه غاز مصاحب. ولاادري لعمري ماسبب هذه المفارقة والخطأ الجسيم الذي زاد من حيرتنا وشدوهنا حول الواضعين لها الطلسم الغريب ، أما في مجال الطاقة المتجددة فحدث ولاحرج فعلى الرغم من الغناء غير المطرب لوزارة الكهرباء وصريخها لسنوات في نيتها لابرام عقود استثمارية الا انها لم تفلح في ابرام اي عقد لمشروع الطاقات المتجددة على الرغم من استبسال العديد من المستثمرين لسنوات طويلة وتقديمهم شتى انواع عروض المنافسة محاولين الحصول على عقد ولو واحد فقط ولكن جميع جهودهم باءت بالفشل ولم ترى احلامهم النور (ولا اضنها ستراه في القريب) واصابهم الاحباط. مع ان موضوع الطاقات المتجددة يحتاج الكثير من اعادة النظر فيه فهو ليس بديلا حقيقي ا راجحا عن الوقود الاحفوري او للطاقة النووية ؟ فالطاقة الشمسية ذات كفاءة محدودة لايتعدى وقت تجهيزها للكهرباء اكثر من 5 ساعات بكفاءة تصل الى 17% كحد اعلى ومن الساعة الحادية عشر صباحا لغاية الرابعة عصرا بعدها تنخفض الى مابين (6 – 10)% من كفاءتها مابين الساعة الثامنة صباحا للعاشرة ومابين الخامسة الى السابعة مساءاً صيفا.ً ومع ان هناك من يعتقد انها خياراً مناسبا وبأمكان الاستعاضة عن الوقود بها الأ ان الواقع العملي لايلبي هذا الطموح بالمرة مع الاسف لاسباب فنية حاكمة منها انخفاض الكفاءة الكبير جداً بالمقارنة مع الوقود الاحفوري والطاقة النووية الذي يصل الى اكثر من 92%. كذلك الحال مع طاقة الرياح فضلاً عن كلفها المرتفعة اذا ماقورنت بالوقود الاحفوري او الطاقة النووية. وبالعودة مره اخرى مع العراق في قصته مع الوقود الاحفور ي لأنتاج الكهرباء حيث نحتاج الى وقفة بسيطة لاعادة النظروالتفكير قليلاً كمدخل للمقارنة في الجدوى الاقتصادية المترتبة على استخدام الوقود . وسنجرد باحصائيات بسيطة صرفيات العراق من النفط والغاز لنقارنها فيما بعد بصرفيات الطاقة النووية.

اولاً : النفط –
ينتج العراق حوالي 23% من كهربائه من خلال حرق النفط الثقيل والخام لأنتاج الاحتياج الاساس من الكهرباء والذي يقدر ا لان بحوالي (18 كيكا واط) وهذا يعني انه سي حتاج أن يحرق (51.78) مليون برميل سنويا لينتج (3.78) كيكا واط من الطاقة بالنفط الثقيل والخام ، اي قرابة 5% من انتاجه النفطي السنوي. وباعتبار سعر برميل النفط بالمعدل العام 60 دولار )مثلاً( فأنه سيحرق (8.3) مليار دولار سنويا فقط من النفط الثقيل والخام. لأنتاج الكهرباء. ان هذه الحسابات لم تؤخذ بنظر الاعتبار الضائعات في خطوط النقل والتي تقدر في العراق بنسبة قدرها 20 % في اقل احتمال. اي ان الرقم قد يصل الى اكثر من (4.5) مليار دولار محروقات من النفط سنويا.ًوالتي تمثل (قرابة 3% من الدخل الوطني السنو ي للعراق).
ثانيا : الغاز –
يصرف العراق بحدود 50% من انتاجه الغازي للكهرباء و 7 % استيراد من الجارة ايران . بمعنى 9 كيكا واط من الكهرباء و 1.16 كيكا واط استيراد. هذا يعني أن العراق سيحتاج بحدود 9000 مليار قدم مكعب قياسي من الغاز سنويا لأنتاج الكهرباء اي بمبلغ بحدود 2.5 مليار دولار مع الضائعات.(على حساب سعر المائة قدم المكعب من الغاز 2.79 سنت).وعلى فرض قبولنا بهذه المبالغ الا ان العراق لايمكن ان يؤمن هذه الكمية من الغاز الا ن. ومع ازدياد الانتاج لسنة 2030 سيبقى النقص في امدادات الغاز مستمراً ، فمن اين سيؤمن العراق امداد الغاز اذن ؟ مع ملاحظة ان العراق سيحتاج ان يرفع من استيراده من الغاز الى 11 % عام 2030 حسب الخطة الاستراتيجية وهنا مفارقة اخرى عجيبة ايضا . فبدل الذهاب للبحث عن مصدر اخر للطاقة يذهب العراق ليستورد الغاز ويقلل من فرص
الاكتفاء الوطني ليجعل نفسه اسيراً اكثر لدول الجوار.

ثالثا . خيار الطاقة النووية
لكي نضع مقارنة بسيطة وسليمة بين خيار الطاقة النووية وخيارات الوقود الاحفوري لعشرة سنوات على اعتبار ان العشر سنوات هي فترة التشغيل لمحطة الوقود الاحفوري دون صيانة او مشاكل وسنحسب هنا فقط صرفيات الوقود دون الصيانة الكلية .ان سعر محطة تعمل بالنفط بحدود مليار دولار تصرف سنويا (1160 برميل /ساعة * 24 ساعة * 360 يوم) اي بحدود 10 مليون برميل سنويا ولسعر 60 دولار للبرميل فانها ستحرق قرابة 600 مليون دولار سنويا و 6 مليار دولار خلال عملها لعشرة سنوات ومع سعر المحطة فان الانفاق سيكون 7 مليار دولار .
اما الغاز فان المحطة بنفس السعة سعرها قرابة السعر المذكور لمحطة نفطية مع صرفيات للوقود تصل الى 244 مليون دولار سنويا ولعش ر سنوات 2.44 مليار دولار فيكون الانفاق الكلي 3.44 مليار دولار . اما مايخص الطاقة النووية فان سعر المحطة من نفس السعة بحدود 3 مليار دولار والوقود سنويا 19 مليون دولار وخلال عشر سنوات يصبح تكلفة المحطة بحدود 3.19 مليار دولار. من الواضح ان الطاقة النووية كسعر انشاء محطة اكبرنعم لكن خلال سنوات العشر اللاحقة ستكون اقل كلفة ناهيك عن ان عمر المحطة الكهرونووية يصل قرابة 60 عام بينما محطات الوقود لاتصل الى 20 عام في احسن ظروف التشغيل وليس كظروف مثل ظروف العراق من سخونة اجواء وارتفاع مستوى الغبار ونقاوة الوقود .

يتضح بجدول الانبعاثات بأستخدام النفط الثقيل والخام والغاز . وخسائر هذا الانبعاث لسنة واحدة توازي سعر مفاعل نووي واحد سعة واحد كيكاواط. ان هذه الخسائر المالية قد لاتكون ذو اهمية الان بأعتبارها صرفيات مرافقة لانتاج الكهرباء ولكنها خلال العشر سنوات ستكون ذات اهمية حرجة خصوصا مع ارتفاع مشكلة التغير المناخي التي هي قضية اخرى موازية في الاهمية والخطورة ولابد ان نحسب لها حساباتنا من الان ولننظر الان الى هذه القضية.

انبعاثات الكربون وحسابات التغير المناخي .
تنتج المحطة الواحدة بسعة 1GWe تلك التي تعمل بالنفط الثقيل او الخام في السنة التشغيلية مامعدله 3.55 مليون طن من غاز ثنائي اوكسيد الكاربون المتسبب الاساسي لظاهرة الاحتباس الحراري العالمي والذي اصبح مصدراً للقلق لدول العالم اجمع الان .ومنذ بروتوكول ك يوتو عام 1995 3 والى اليوم ولغاية اعداد هذا المقال فان سعر الطن الواحد من عائد غاز الكربون عالميا يتصاعد، اذ بلغ 38.95 دولار للطن الواحد (مزاد عائد الكربون اليوم 8شباط 2021) .وبطلب مجموعة البنك الدولي من دول العالم ضرورة رفع سعر الكربون من (40 – 80) دولار للطن الواحد للفترة 2020 – 2030 ، كما انه يجب ان يرتفع ايضا مابين (50 – 100) دولار للطن لما بعد عام 2030 . ولذا فأن اعادة النظر في موضوع حرق الوقود ستكون له وقفة عالمية خلال العشر سنوات المقبلة ومن خلال متابعتي للمؤتمرات التغير المناخي ومشارك اتي للعديد من مناقشاتها اتوق ع ان للعالم ستكون لهم وقفة حاسمة مع الدول المنتجة للنفط والتي لم تخفض انبعاثاتها على الرغم من كونها مصنفة كدول نامية وهنا لابد للعراق من مراجعة جادة في امر الانبعاثات وكيف سيتمكن من تخفيضها مع ازدياد انتاج النفط الذي من المؤمل ان يصل الى 6 مليون برميل يومي ا مطلع عام 2030 . فماذا نصنع في حينها؟ و لان العراق بوضعه الحالي لايملك اي اداة او الية لتخفيض انبعاثاته فأنه سيصبح مرغما على تخفيض انتاجه النفطي ليلبي احتياجات التخفيض التي الزمها العراق على نفسه وهي 13% وان كانت الان تطوعية الا انها قد تكون غير ذلك حينما ت لزم الدول ومنها العراق على تخفيض انبعاثاته بتل ك النسبة وفقا للمنظور العالمي فماذا سيكون موقفنا ؟ . في الوقت الحالي بلغ إجمال ي انبعاثات غازات الدفيئة في العراق في عا م 2013 (282.53 مليون طن متري) من مكافئ ثاني أكسي د الكربون (MtCO2e) ، ما مجموعه 0.6 في المائة من انبعاثا ت غازات الدفيئة العالمية. يمث ل فيها قطاع انتاج النفط والغاز كمصد ر رئيسي لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بنسبة 48.2 في المائة من الانبعاثات ، و 26.3 في المائة من الكهرباء و 13.6 في المائة من النقل ، و 5.4 في المائة من التصنيع / البناء ، و4.5 في المائة من احتراق الوقود.

قدم العراق مساهمة مزعومة محددة وطنية طوعيا (INDC) قبل اتفاقية باريس ووقع الاتفاقية في ديسمبر 2016 . ضمن هذه المساهما ت المقررة المحددة وطنيا حد د العراق أهدافا لخفض انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 13 في المائة أقل من انبعاثات العمل كالمعتاد بحلول عام 2035 . هذا التخفيض سيكون مشروط ومرهون بالدعم المالي للعراق ونسبة 1% ستكون ملزمة على العراق كألتزام وطني للتخفيض . (مجمل الفعاليات حسب احصائيات USAID-climate links) وفي حال عدم قدرة العراق على تخفيض تلك الانبعاثات قد يترتب على العراق جملة من المحددات منها زيادة الضرائب على الوقود المحروقات والتي تقدر بأكثرمن مليار دولار سنويا او تقليل تلك الانبعاثات من خلال تقليص فعاليات الانتاج من النفط والغاز . أما في حال تفعيل مقررات جديدة محتملة لاتفاقية التغير المناخي والتي تفرض التخفيض لللنسبة الطوعية وهي ال 13% فسيقع العراق بضرر كبير خصوصا اذا صوتت الدول المتطورة الراعية لاتفاقية التغير المناخي على ذل ك واعادة تصنيف العراق ضمن الدول المنتجة للنفط والغازالتي تسهم في تلوث الارض. هنا سيجب على العراق ان يدفع ماسيترتب عليه من ضرائب الكربون وفي حينها سيقع العراق في اتون مشكلة دولية وسيلجأ الى خفض انبعاثاته بشتى الطرق حت ى على حساب انتاجه من النف ط والغاز. وهذ السيناريو ليس ببعيد خصوصا مع استعار تاثير التغير المناخي وتأثر الدول الصناعية بضرورة تخفيض اكثر لأنبعاثاتها وسيكون على العراق ان يمتثل للمقررات الدولية وفي حينها سيصبح التخفيض لامناص منه. وقد يذهب البعض الى استبعاد هذا السيناريو على اعتبار ان العراق لحد الان لم يتخطى عتبة حصته من انتاج غاز الكربون وهذه النظرية قد تتبدد بأجتماع واحد لقمة التغير المناخي العالمي فتتغير اللعبة وتتبدل المعادلة ونقع في المأزق.فعندما كنت مشاركا في عدة اجتماعات متتالية لقمم التغير المناخي كانت هناك آراء تطرح هذا السيناريو واعتقد انها ستطرح من جديد وتطبق عاجلا ام اجلا. اذن ماعلينا فعله ومن الان البحث عن مصادر للطاقة دون انبعاث الكربون ، طاقة رخيصة دائمة وذات كفاءة عالية لكي نتمكن من مواجهة التحديات المختلفة سواء على الصعيد السياسي اوالاقتصادي بل وحتى على الصعيد البيئي والتغير المناخي الذي يهمنا نحن ايضا لان العراق يعتبر من الدول الهشة كو ن مناخه شبه صحراوي يتأثر كثيراً بالتغيرات العالمية بشكل واضح وتأثيره ايضا اكثر قسوة عن باقي البلدان خصوصا في الزراعة وتوفير المياه ونسب الامطار .وعلينا من الان التفكير بآليات فاعلة حقيقية دقيقة والاعداد لها ووضع برنامج واضح للتغلب على المشكلة قبل فوات الاوان.

الخلاصة:
مما استعرضناه يتضح جليا ان العراق بحاجة الى ان يعيد تفكيره بجملة من القضايا اولها اعادة النظر في الاستراتيجية الوطنية للطاقة لتكون هذه المرة خارطة طريق حقيقية ينتهجها العراق ليصل الى الاستثمار الاشمل والامثل لموارده من الطاقة وكذلك عليه اعادة النظر في موضوع موقف العراق من التغير المناخي الذي يجب ان يبدأ من الان بأجراءات التخفيض القسري وهي 1% بشكل ممنهج وصحيح ومن ثم يستعد للظروف القاهرة التي قد تجبره على التخفيض الطوعي الذي اقترحه العراق وهي نسبة 13% وهنا وفي هذه النقطة تحديداً عليه ان يفكر بمصدر طاقة كفوء ورخيص وسوف لن يجد امامه خياراً غير الذهاب الى المفاعلات النووية التي اعددنا لها خطة وبرنامج حقيقي يمكن ان يلبي متطلبات العراق من جوانب متعددة وسيكون بأمكانه ان يخفض ال 14% دون ان يضطر الى التخفيض من انتاجه النفطي او تحديد فعالياته ونشاطاته الصناعية والانتاجية وعلى بركة الله .

د.كمال حسين
الهيئة العراقية للمصادر المشعة
رئيس لجنة المفاعلات
نيسان 2021

لتحميل المقال بصيغة PDF


by

Tags: